السبت، 10 يناير 2015

تأملات في تاريخ الخط العربي




كان هناك سببان رئيسيان لتطوير الخط العربي، في السنوات التي تلت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، أحدهما يتعلق بالحاجة إلى نقل القرآن الذي أنزل على النبي إلى المؤمنين الذين لم يسمعوه فعلاً، والسبب الآخر كان النمو السريع للعالم الإسلامي وحاجة حكامه إلى المقدرة على التواصل مع بعضهم بعضاً.

ومن دون أي خط عربي معروف لدى كل الأطراف، فإن مثل هذا الاتصال كان من المستحيلات. ويخبرنا المؤرخون أن المتطلب الديني كان أساسياً في الإيحاء بهذا النمو، ذلك أن القرآن لا يحتوي فقط على سجل حياة النبي على نحو ما نجد في حياة يسوع في الإنجيل، وإنما هو كلام الله.

وبالتالي كان يتطلب خطاً له خصائص على مستوى رفيع. ومن المعروف أن شعوباً إسلامية مختلفة سعت إلى إضفاء هذه الخاصية على الخط العربي بطرق مختلفة. وهذا التاريخ يعطي تفاصيل كاملة حول كيفية تطور الخط العربي بطرق مختلفة.

والمؤرخ والمستعرب الراحل مارتن لنيغز، وهو أحد أوائل الذين أسلموا من المؤرخين، ألف كتابه «فن خط المصحف وزخرفته» الذي لا يزال يعد عملاً كلاسيكياً في الخط العربي. كما أشار مستشرق آخر إلى أن أهمية الكتابة الحسنة لا يمكن المبالغة بها. فهي بحد ذاتها شكل من أشكال الفن ووسيلة للتزيين، ذلك أن تطبيق فن الخط لم يجري تقييده مطلقاً.

وهناك جدل قائم بأن الخط الإسلامي وصل إلى أوج تعبيره عندما تم تطبيقه على الخزفيات. وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في 632 ميلادي، نقلت آيات الذكر الحكيم من قبل الحفاظ، أي أولئك الذين حفظوا القرآن عن ظهر قلب.

وقد قتل عدد كبير من هؤلاء الحفاظ في المعارك التي شنت في الأيام الأولى من الدعوة الإسلامية. وبالتالي ساد الاعتقاد بأنه من الأهمية بمكان أن تكون هناك نسخة واحدة من المصحف، على أن تكون الكتاب الذي على كل مسلم أن يتبعه.

والمصحف الشريف أرسل بعد ذلك إلى المراكز الأربعة للإسلام، مكة والمدينة والبصرة والكوفة من أجل نقل مصاحف عنه. وكل من هذه المدن الأربع طورت أسلوبها، على الرغم من أنه على أساس مصحف الكوفة جاء الخط الأكثر استخداماً والذي أصبح معروفاً بـ «الخط الكوفي»، وهذا الخط هو الأقرب بين كل الخطوط العربية لفن الرسم.

وهذا جعله مثالياً في تزيين النقود وبالتحديد تزيين العمارة، فيما كان الخط العربي يزداد جمالاً مع تطوير الخط الكوفي في القرنين الأولين من الإسلام.

في البداية لم تكن له نقاط أو بعض السمات المميزة، مما أدى إلى تعذر الفهم، لأن بعض الحروف كان لها الشكل نفسه.

 وهذا تغير لاحقاً مع استخدام النظام الذي اخترعه أبو أسود الدؤولي. ولقد استخدم أبو أسود عدة علامات لتحديد «الهمزة» و«الشدة» والمدة« و»السكون« و»التنوين«، وقد صقل الحجاج بن يوسف الشهير هذا النظام باستخدام النقاط أو الحركات فوق الحروف وتحتها لتمييزها عن بعضها.

وبهذه الطريقة تم التوصل إلى حروف الأبجدية الكاملة، أو الحروف العربية كما نراها اليوم. ونسخ مختلفة تم ابتكارها من قبل عدد كبير من الخطاطين أبرزهم ابن مقلة، ولاحقاً ابن البواب، الذي يعود الفضل إليه لاختراعه الخط النسخي المستخدم بشكل واسع.

وفي كتابه يذكر مارتن لينغز ثلاثة خطوط أصبحت مستخدمة في معظم المصاحف، وهذه الخطوط هي المحقق والريحاني والثلث. لكن في شمال أفريقيا والأندلس، فإن الخط اللين المستمد من الكوفي والمعروف باسم »المغربي" كان الأكثر شعبية وتداولاً.

وتشابه المغربي مع الكوفي الأصلي جعله مشهوراً في التزيين والنقش على التصاميم المعمارية والمنسوجات والخزف.

وتحت حكم الأمويين في قرطبة، فإن خطاً كوفياً بسيطاً أو مورقاً قليلاً كان يستخدم، كما في المسجد الكبير. ولاحقاً تم تضفير الخط الكوفي، كما نجد في قصر الحمراء.

اليوم يستمر الاعتقاد بأن الخط العربي فن عظيم، في كل أنحاء العالم الإسلامي وما وراءه. وعلى الرغم من أن استخدام الآلات السريعة جداً قد أدى إلى تراجع طفيف في دور الخطاطين اليوم، فإننا نأمل أن يعمل جيل جيد من الخطاطين على النهوض بهذا الفن الجميل.



بقلم : دنيس جونسون ديفز
المصدر : البيان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق